Blogاراء وكتابسياسية

تحرير سوريا: أفق المستقبل بين التحديات والفرص

كندا : هانى حاطر

 French

منذ انطلاق الأزمة السورية في عام 2011، ظل الشعب السوري يعيش في حالة من التوتر المستمر بين الأمل في التحرير والواقع الصعب الذي تفرضه القوى الداخلية والخارجية، سوريا التي كانت موطنًا للتنوع الثقافي والديني والتاريخ العريق، أصبحت اليوم ساحة للدمار والمأساة. لكن رغم هذه الظروف القاسية، يبقى الأمل قائمًا في إمكانية التحرير، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.

التحديات الكبرى للتحرير

على الرغم من مرور أكثر من بعد مرور 14 عامًا على بداية الصراع، لا تزال سوريا تواجه العديد من التحديات التي تجعل تحريرها أمرًا معقدًا للغاية، أبرز هذه التحديات:

1- التدخلات الأجنبية:

دخلت العديد من القوى الدولية والإقليمية على خط الأزمة السورية، حيث دعمت كل منها فصائل معينة لتحقيق مصالحها الخاصة، من روسيا إلى إيران من جهة، والولايات المتحدة وتركيا من جهة أخرى، جعلت هذه التدخلات أي حل سياسي مستدام أكثر صعوبة، إن هذه التدخلات ليست فقط سياسية وعسكرية، بل اقتصادية وثقافية، مما يجعل أي قرار بشأن مصير سوريا مرتبطًا بمصالح هذه القوى.

1- التطرف والانقسام الاجتماعي:

بعد سنوات من النزاع، بات الفكر المتطرف يشكل تهديدًا كبيرًا للسلام الداخلي، الجماعات مثل “داعش” و”القاعدة” وغيرها، قد لا تزال تشكل تهديدًا للسوريا ما بعد الحرب، تزايد الانقسام بين مكونات المجتمع السوري سواء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو تلك التي تحت سيطرة المعارضة، ما يضع صعوبة في عملية المصالحة الوطنية.

2- الدمار الاقتصادي والاجتماعي:

المشاكل الاقتصادية التي تسببت فيها الحرب تتجاوز بكثير الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، ملايين السوريين يعيشون في ظروف معيشية مأساوية، مع معدلات بطالة مرتفعة، وتدهور حاد في قيمة العملة، ونقص حاد في الخدمات الأساسية، إن بناء سوريا جديدة يعني معالجة هذه الأزمات الاقتصادية، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة وإعادة بناء شاملة.

3- النزوح واللاجئين:

تسبب النزاع في نزوح نحو نصف الشعب السوري من ديارهم، سواء داخل سوريا أو إلى الخارج، إعادة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم بحاجة إلى ضمانات أمنية، خاصة في ظل استمرار وجود الجماعات المسلحة والمتطرفين في بعض المناطق، العملية تتطلب استثمارات ضخمة واهتمامًا خاصًا بقضية العدالة الانتقالية والتعويضات.

احتمالات المستقبل

رغم التحديات الكبيرة، هناك عدة احتمالات لما قد تكون عليه سوريا في المستقبل، وهذه الاحتمالات قد تعتمد على عدة عوامل رئيسية:

1- التحول نحو تسوية سياسية شاملة:

إحدى أكثر الاحتمالات تفاؤلاً هي التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، تشمل جميع الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، بدءًا من المعارضة بمختلف توجهاتها، وصولًا إلى المكونات الاجتماعية والسياسية المتعددة في المجتمع السوري. هذه التسوية لا تقتصر على تحديد المصالح وتوزيع السلطة بين الأطراف المحلية فحسب، بل تشمل أيضًا تفاعلاً مع القوى الإقليمية والدولية التي تلعب دورًا محوريًا في مجريات الأزمة، مما يجعل الحل أكثر تعقيدًا. ومن المتوقع أن تتضمن هذه التسوية مرحلة انتقالية، يتعاون خلالها الجميع من أجل بناء آليات لحكم مشترك يشمل جميع الأطياف السورية، مع ضمان مصالح القوى الإقليمية والدولية، لكن هذا الحل يتطلب تنازلات كبرى من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك النظام الحالي وأحزاب المعارضة والجماعات المسلحة.

في هذا السياق، سيشكل التوصل إلى تسوية سياسية الأساس لإعادة بناء سوريا بعد سقوط النظام السابق لنظام بشار الأسد، وذلك من خلال وضع دستور جديد يعكس تطلعات الشعب السوري ويعزز مبادئ العدالة والمساواة. هذه التسوية ستكون فرصة لإصلاح القوانين وإجراء تعديلات شاملة على النظام السياسي بما يضمن فصل السلطات وضمان الحقوق المدنية والحريات الأساسية، بالإضافة إلى إعادة تأسيس الدولة المدنية الحديثة التي تمثل جميع السوريين دون استثناء.

1- سيناريو التقسيم أو الفيدرالية:

في ظل تعقيدات الوضع السوري، قد يكون الحل الآخر هو التقسيم أو الفيدرالية التي تمنح المناطق المختلفة درجة من الاستقلالية، قد يتم تقسيم البلاد إلى مناطق ذات حكم ذاتي تحت إشراف دولي، مثلما يحدث في مناطق كردية شمال سوريا، هذا الخيار سيواجه معارضة شديدة من بعض الأطراف التي تسعى للحفاظ على وحدة سوريا، لكنه قد يكون حلًا لضمان الاستقرار في حال استمرت الانقسامات العميقة داخل البلاد.

2- استمرار النزاع والصراع المجمد:

من الممكن أيضًا أن يستمر الوضع السوري في حالة من الصراع المجمد، حيث تستمر الأطراف المتعددة في السيطرة على مناطق محددة دون التوصل إلى حل نهائي، في هذه الحالة قد يكون الشعب السوري مضطرا للعيش في ظل أوضاع غير مستقرة مع تدهور مستمر في الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، هذا السيناريو هو الأكثر إثارة للقلق، حيث قد يخلق مزيدًا من الفوضى في المنطقة.

3- الانتقال إلى دولة ديمقراطية بالكامل:

سيناريو آخر يتصور تحول سوريا إلى دولة ديمقراطية حديثة، حيث تضمن الحريات العامة والمشاركة السياسية لجميع الأطياف، هذا يتطلب عملية إصلاح جذري تشمل إلغاء النظام الاستبدادي، إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وضمان حقوق الإنسان لكل المواطنين السوريين، قد يواجه هذا السيناريو معارضة شديدة من النظام الحالي وبعض القوى الإقليمية التي تفضل الحفاظ على وضع غير ديمقراطي.

الفرص والأمل

رغم تعقيد الواقع، تبقى هناك العديد من الفرص التي قد تساهم في تحرير سوريا وإعادة بناء الدولة. أهم هذه الفرص تشمل:

  1. المشاركة الدولية الفعالة:

إن المجتمع الدولي يجب أن يلعب دورًا حيويًا في دفع عملية السلام، سواء من خلال دعم الحلول السياسية، تقديم مساعدات اقتصادية، أو دعم مشاريع إعادة البناء، يجب على القوى العالمية أن تضع مصالح الشعب السوري في المقام الأول وتعمل على إيجاد بيئة سياسية مستقرة.

2- التعاون بين الأطياف المختلفة:

إن التعاون بين مكونات المجتمع السوري بمختلف أطيافه يمكن أن يشكل أساسًا لبناء وطن موحد. تحقيق المصالحة بين السوريين، سواء على مستوى الطوائف أو المناطق، يتطلب وقتًا وجهدًا طويلًا، لكنه يعد أساسيًا لبناء مجتمع سوري مستقر ومزدهر.

3- الاستثمار في الشباب والمستقبل:

الشباب السوري يمثل أمل المستقبل، من خلال استثمار الإمكانات الشبابية وتوفير التعليم والتدريب اللازم لهم، يمكن لسوريا أن تشهد نهضة اقتصادية واجتماعية، الابتكار وريادة الأعمال يمكن أن يكونا من الركائز التي تساعد سوريا على استعادة قوتها.

بعد سنوات من الحرب والدمار في سوريا، أصبح كثير من اللاجئين السوريين يواجهون صعوبة كبيرة في العودة إلى وطنهم. فقد تحولت الحياة في سوريا إلى واقع مرير، حيث يعاني المواطنون من الفقر المدقع، نقص الخدمات الأساسية، وتدمير البنية التحتية. في المقابل، توفر لهم البلدان المضيفة حياة أكثر استقرارًا، مع فرص عمل أفضل، وحماية اجتماعية، ورعاية صحية وتعليمية محسّنة. إن الفرق الشاسع بين الظروف المعيشية في سوريا والرفاهية التي يتمتع بها السوريون في الخارج يجعل فكرة العودة بالنسبة للكثير منهم خيارًا مستبعدًا. وبالنسبة للعديد منهم، فإن العيش في الخارج لم يعد مجرد مسألة بقاء، بل هو فرصة لبناء حياة جديدة أكثر أمانًا وازدهارًا. هذا الواقع يعكس حجم التحديات التي يواجهها اللاجئون في التوفيق بين حبهم لوطنهم وضرورات الحياة التي تفرض عليهم البقاء في البلدان التي توفر لهم أسس العيش الكريم.

تحرير سوريا ليس مجرد تحرير أراضٍ من احتلال، بل هو تحرير الإنسان السوري من العنف والقهر والظلم، قد يكون الطريق طويلًا وشاقًا، لكن مع العزيمة والإرادة، يمكن لسوريا أن تعود إلى مكانتها كدولة مزدهرة ومستقرة، المستقبل ما زال يحمل الأمل، ولكن تحقيقه يتطلب الجهد والتضامن من جميع السوريين وأصدقائهم في العالم.

Hany Khater

حاصل على دكتوراه في السياحة والفندقة، بكالوريوس في الصحافة والإعلام، رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية وحقوق الإنسان بكندا، ورئيس تحرير موقع الاتحاد الدولي للصحافة العربية، بالإضافة إلى عدة مواقع أخرى. هاني خاطر هو صحفي ومؤلف ذو خبرة واسعة في مجال الصحافة والإعلام، تخصص في تغطية قضايا الفساد وحقوق الإنسان والحريات، ويسعى دائمًا لتسليط الضوء على القضايا الهامة التي تؤثر في العالم العربي، خصوصًا تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية. خلال مسيرته المهنية، كتب العديد من المقالات التي تتناول انتهاكات حقوق الإنسان، مع التركيز على الحريات العامة في بعض الدول العربية، وقضايا الفساد الكبرى، يتميز أسلوبه الكتابي بالجرأة والوضوح، حيث يهدف من خلاله إلى إثارة الوعي وتحفيز التغيير الإيجابي في المجتمعات. يؤمن هاني خاطر بأهمية الصحافة كأداة للتغيير، ويعتبرها وسيلة لتقديم رؤى موضوعية تحفز التفكير النقدي وتحارب الفساد و الظلم والانتهاكات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى